علي الفيروز 23/5/2010

جريدة الرآي 23/5/2010
إطلالة قضية / «البدون»... وكرة الثلج
بقلم / علي الفيروز

لقد اصبحت قضية «البدون» او غير محددي الجنسية من اهم القضايا التي تمس سمعة الكويت في الخارج نظرا لعدم جدية الحكومة في حلها حتى وإن طرح مجلس الامة هذه القضية الشائكة، فكلما امهلت لجنة غير محددي الجنسية البرلمانية وزارة الداخلية للنظر بالتعديلات النيابية الواردة على قانون اقرار الحقوق المدنية والاجتماعية لغير محددي الجنسية، جاء رد الفريق الحكومي ان الحكومة لها تصور آخر لمعالجة اوضاعهم، إذ ان التعديلات الحكومية والنيابية المقدمة على الاقتراح بقانون على امل اقرار التقرير النهائي للجنة البدون البرلمانية لا يحتمل التأخير اطلاقا في حقوق وواجبات هذه الفئة المظلومة، فهم ينتظرون هذا التقرير النهائي بفارغ الصبر والحكومة اصبحت تتفنن بدورها دون اعطاء اي اعتبار للمشكلة الانسانية، فماذا يعني حينما تدعي الحكومة ان لها تصوراً آخر لمعالجة اوضاع غير محددي الجنسية بينما لغاية الآن لم تتسلم اللجنة البرلمانية اي تصور حكومي جديد بهذا الشأن منذ اجتماعها الاخير مع اعضاء الفريق الحكومي... ان قضية البدون في الكويت اصبحت اكثر تعقيدا بعد اعوام من الظلم والمماطلة، فلو قامت الحكومة بحل القضية منذ ظهورها من جميع جوانبها لما اصبحت اليوم قضية الساعة الى ان اصبحت قضية العالم بأسره، والمشكلة هنا حينما تتشعب القضية وتزداد تعقيدا، وعلى سبيل المثال، اصبحنا اليوم نرى مشكلة تلد مشكلة اخرى وهي تتعلق بزوجات المواطنين البدون، اي حينما يشاء القدر لهؤلاء المواطنين ان يقترنوا بزوجات غير كويتيات من فئة البدون وترفض الجهات المعنية منح ابنائهم الجنسية، ليصبح هؤلاء ايضا من دون جنسية اي «مواطنون بدون» وهي الحالة التي لم نشاهدها او نسمع عنها من قبل! تلك القضية الجديدة التي وصفها البشر بجميع فئاتهم «الغريبة والعجيبة» فهي قانونيا تعتبر مخالفة للدستور ومخالفة لحقوق الانسان، وقد تناولتها جمعية المحامين الكويتية في مؤتمر صحافي سابق بالتعاون مع تجمع حقوق اطفال الكويت تحت عنوان «أطفال الكويت بين الواقع والمستقبل»، مطالبين من خلاله مجلس الامة ان يتحرك سريعا لحل هذه المشكلة الاخرى قبل ان تصبح كرة ثلج ثانية! فالقانون ينص على ان الطفل ينسب لأبيه وما دام الأب كويتيا، فيجب نسب الابن له، فلم يشترط القانون معرفة جنسية الأم أساسا، وبالتالي نرى ان الحكومة قد خلقت مشكلة بدون جديدة لتضاف الى سجل قضية البدون الازلية وهذا بالتأكيد سيؤثر ايضا على سمعة الكويت في مجال حقوق الانسان في المحافل الدولية، ومن هنا نستغرب ايضا من عدم اعتراف وزارة الداخلية بأحكام اثبات عقود الزواج رغم انها احكام نهائية وواجبة النفاذ على الجميع، اننا فعلا نستغرب من اقحام المواطن في تلك الازمة الجديدة وجعلها مشكلة من لا مشكلة والذي من شأنه الحد من الزواج بفتاة من فئة البدون بدلا من القضاء على ظاهرة العنوسة في المجتمع... والسؤال هنا: ألم يكن ضياع الحقوق الاساسية للانسان من تعليم وهوية وعلاج امرا يستحق الاسراع بحله حلا منصفا لفئة كبيرة تعيش بيننا في كل يوم؟ ان قضية البدون قضية انسانية قبل ان تكون قضية سياسية او اي قضية اخرى، فالحكومة والمجلس مشتركان في حل هذه القضية الانسانية، واليوم نراها تزداد تأجيلا وتأخيرا في أتفه الامور لتكون ظلما على الآخرين وسط ضغوط دولية ومطالبات شعبية لحل هذه المشكلة من جذورها... ان ابسط الحقوق اليوم حصول فئة البدون على وثيقة السفر ولكن الواقع يقول ان البدون لا يحصل على جواز سفر وفق المادة 17 الا في اضيق الحدود، فعلى اي منهم ان يحضر تقرير طبيب يثبت انه يعاني من مرض، ولا يوجد في الكويت علاج لهذه الفئة إلا في أقسى الظروف، أو بما يفيد قبول من جامعة خارجية، وفي بعض الأحيان لا يمنح ذلك الجواز رغم حصوله على تقرير طبي أو قبول جامعي، وإذا منح جواز سفر له فإنه يكون لسفرة واحدة ويسحب فور عودته إلى البلاد.لقد وصلتني رسالة عن طريق البريد الالكتروني تحت عنوان «معاناة قاسية لأبناء شهيد في الأردن»، ويقول فيها: هذه قصيدة كتبها الأخ غانم حمود العنزي، ولمن لا يعرف غانم فهو ابن الشهيد حمود ناصر العنزي الذي أُسر والده في اثناء الغزو العراقي، وقد عثر على رفاته من قبل اللجنة الوطنية لشؤون الاسرى بتاريخ 15/2/2004، ورقم الرفات 8015، وهو معتمد كشهيد في مكتب الشهيد، ومأساة الأخ غانم وأسرته تكمن في انهم «بدون» ولكن لاجئين في الاردن منذ 19 عاماً عندما أُسر والدهم، فليس لهم معيل هناك إلا الله، في حين ليس لديهم اثباتات، فهم محرومون هناك من كل شيء، لا عمل، لا دراسة، لا علاج، ولا اثباتات رسمية سوى اثباتات من المفوضية السامية تشهد بأنهم لاجئون في الأردن... إن أمنية غانم واسرته التسعة وهم في الأردن الرجوع إلى أرض الوطن، أرض الكويت التي ضحى والدهم فيها بدمه من أجلها، فهم حالياً يعانون من قسوة الحياة الصعبة وفقد الوالد والمعيل، ونكران الأهل والأحبة، يعانون قسوة اليتم والحرمان، وفقدان الناصر والمحب، يبيتون والدمعة على خدهم والحرقة في قلوبهم... كما أرفق للسادة القراء الكرام «قصيدته» حيث قال فيها:

«حيرتني دنيتي وتهت وش أكون

مدري أنا أنتمي ولا ما أنتمي

تاهتني أفكار وشكوك وظنون

والهم صار سموم وياكل بلحمي

الله أكبر ليش نتسمى بدون

وكلمة بدون أصلاً مو للآدمي

وهذا ولد خالي وأقر بلي يكون

وهذا ولد عمي ودمه من دمي

وين الحكومة ووين اللي يمون

صرنا دعاية والكل فينا يحتمي

هذا الجزا يا أبوي ألقاب يعطون

وبمكتب الشهيد ملفك مرتمي

محد سأل عنا بس دمع العيون

وفي ختام رسالته أود أن تلقى هذه المعاناة الإنسانية أصداء واسعة لدى إخواننا المسؤولين في الدولة ليرجعوا البسمة إلى شفاه أبناء الشهيد حمود ناصر العنزي.

رسالةرسالة شكر وعرفان نبعثها للإخوة في تجمع الكويتيين البدون «تكون» على دعوتهم لي بالحضور لفعاليات لجنة حقوق الإنسان المنعقدة في رابطة طلبة الطب الكويتية والخاصة بأسبوع البدون الأول تحت شعار «قضية البدون قضية إنسانية قبل أن تكون قضية سياسية» بالتعاون مع جمعية حقوق الإنسان الكويتية ومشاركة تجمع الكويتيين البدون «تكون».فشكراً لكم من القلب...

http://www.alraimedia.com/Alrai/Article.aspx?id=197001